سلسلة حلقات اقتصادية – الحلقة 13 : الناتج القومي والدخل القومي في التحليل الاقتصادي هناك متغيران يعتبران من أكثر المتغيرات أهمية ، وهما : الناتج القومي والدخل القومي . هذين المتغيرين يقيسا مستوى أداء الاقتصاد بطريقة أفضل مما تفعل أية متغيرات أخرى . الناتج القومي ( المحلي ) Gross Domestic Product : يمكن قياس النشاط الاقتصادي لبلد ما بعدد من الطرق ، ومن بين أهم هذه الطرق هو إجمالي الناتج القومي GDP ، وهو يمثل القيمة السوقية Market Value لكافة السلع والخدمات النهائية المنتجة بواسطة الاقتصاد القومي على مدى فترة محددة من الزمن عادة تكون سنة . وقيمة السلع والخدمات المنتجة تكون مساوية بالضرورة للإنفاق على هذه المنتجات ، ويستتبع ذلك أنه يمكن قياس إجمالي الناتج القومي بمجموع إنفاق قطاعات الاقتصاد القومي المختلفة على السلع والخدمات . وللوصول إلى الإنفاق الكلي على المنتجات النهائية Finished Goods ، فإننا نطرح من مجموع المبيعات مبيعات السلع الوسيطة ( التي تستخدم في الإنتاج وهي غير استهلاكية ) والمواد الأولية المستخدمة في إنتاج الناتج النهائي . ولتقدير إجمالي الناتج القومي كإنفاق فإننا نقوم بتقسيم الاقتصاد إلى أربعة قطاعات رئيسية : قطاع العائلات ، قطاع الأعمال ، قطاع الحكومة ، قطاع العالم الخارجي ( الأجنبي ) ، وأخذ مجموع إنفاق هذه القطاعات على السلع والخدمات النهائية . وهكذا فإجمالي الناتج القومي هو مجموع الإنفاق الاستهلاكي الشخصي وإجمالي الاستثمار المحلي والإنفاق الحكومي على السلع والخدمات وصافي الصادرات من السلع والخدمات ، أو ما يسمى "بصافي الاستثمار الأجنبي" . ويمكن شرح كل واحدة على حدى بالشكل التالي : · الإنفاق الاستهلاكي الشخصي Personal Consumption Expenditure : يمثل PCE إنفاق العائلات على السلع الاستهلاكية ( المعمرة Durable Goods وغير المعمرة ) والخدمات . ومن أمثلة السلع المعمرة السيارات والثلاجات والتلفزيونات والأثاث وما شابه ذلك . أما السلع غير المعمرة فتشمل المأكولات والمشروبات والملابس والسجاير وغيرها من السلع التي تفنى بالاستعمال في مدة أقل من سنة . ومن أمثلة الخدمات الإنفاق على المسكن والتعليم والصحة والتسلية وما إلى ذلك . وتقاس جميع هذه النفقات بأسعار السوق . · إجمالي الاستثمار المحلي Gross Domestic Investment : يمثل GDI أصول رأسمالية منتجة حديثاً ومشتراة بواسطة مؤسسات الأعمال والأفراد ، وهي تشمل آلات ومعدات يتم الحصول عليها بواسطة المنشآت ، ومنازل جديدة مشتراة بواسطة الأفراد . فتماماً كما أن المستهلكين هم المستعملين النهائيين للسلع الاستهلاكية المعمرة وغير المعمرة ، فإن مؤسسات الأعمال هي المستعملة النهائية للسلع الرأسمالية . · الإنفاق الحكومي Government Expenditure : يشمل المشتريات من السلع والخدمات بواسطة الهيئات الحكومية بجميع مستوياتها : مركزية ومحلية . والسلع المنتجة حديثاً المباعة بواسطة مؤسسات الأعمال للحكومة تتفاوت من التوريدات المكتبية إلى الطائرات والآليات الحربية . كما تدفع أجور ومرتبات موظفي الدولة مقابل خدماتهم في إدارة العدالة ورعاية الأمن والتعليم وما إلى ذلك . · صافي الاستثمار الأجنبي Net Foreign Investment : إن قيمة السلع والخدمات التي نشتريها من الخارج هي وارداتنا Imports ، وقيمة السلع والخدمات التي نبيعها للبلاد الأجنبية هي صادراتنا Exports . وهذه الصادرات هي جزء من حجم السلع والخدمات التي ننتجها ، وهي تولد مداخيل إلى أولئك العاملين في إنتاجها . ويقوم إحصائيو الدخل القومي بطرح الإنفاق على الواردات من مجموع الإنفاق على السلع والخدمات ويضيفون قيمة الصادرات . والفرق بين الصادرات والواردات الذي يدخل إجمالي الناتج القومي يشار إليه أحياناً بـ "صافي الاستثمار الأجنبي" . فإذا كان أحد البلدان يصدر أكثر مما يستورد ( كاليابان مثلاً والتي تعتبر من أهم المصدرين في العالم ) ، فإنه يدخر قدراً مساوياً للفرق بين الاستيراد والتصدير كأصول أجنبية ( عملات أجنبية أو ذهب ) . وبطبيعة الحال قد يكون صافي الاستثمار الأجنبي موجباً أو سالباً على حسب قيمة الصادرات والواردات في ميزان المدفوعات . إذا رمزنا للإنفاق الاستهلاكي الشخصي بالرمز C ، ولإجمالي الاستثمار المحلي بالرمز DI ، وللإنفاق الحكومي على السلع والخدمات بالرمز GE ، وللصادرات من السلع والخدمات بالرمز Ex ، وللواردات من السلع والخدمات بالرمز Im ، فإنه يمكننا أن نعبر على إجمالي الناتج القومي GDP بمعادلة بسيطة كالآتي : (GDP = C + DI + GE + ( Ex – Im . الاستثمار والإنتاج وتأثير معدل الفائدة : إن الاستثمار Investment يتحدد على أساس المقارنة بين معدل الفائدة النقدي ( ثمن الإقراض من البنوك ) ومعدل الفائدة الحقيقي أو الطبيعي ( العائد من استثمار رأس المال ) . فتناقص معدل الفائدة النقدي بالنسبة لمعدل الفائدة الطبيعي سوف يشجع المنتجين ويؤدي إلى زيادة الاستثمار ، وبالتالي زيادة الإنتاج وحجم المعاملات ، حيث أن انخفاض معدل الفائدة النقدية عن معدل الفائدة الطبيعية يعني انخفاض تكلفة رأس المال بالمقارنة بالعائد المتوقع من رأس المال . والتوسع الاستثماري نتيجة تجاوز معدل الفائدة الطبيعي لمعدل الفائدة النقدي يتضمن زيادة الطلب على عناصر الإنتاج ( معدات ، آلات ، عمال .. ) ، وبالتالي زيادة المداخيل الموزعة على تلك العناصر المشاركة في الإنتاج ، أي زيادة الطلب الكلي . وزيادة حجم الطلب الكلي سوف يؤدي بدوره إلى رفع الأسعار . خلاصة القول ، إن انخفاض معدل الفائدة النقدي عن المعدل الطبيعي ( أو الحقيقي ) سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات ، والعكس إذا تجاوز معدل الفائدة النقدي المعدل الطبيعي سوف يؤدي إلى انخفاض مستمر في أسعار السلع والخدمات . صافي الناتج القومي Net Domestic Product : إن إجمالي الناتج القومي يعكس مجموع السلع والخدمات الجديدة المنتجة في السنة الجارية ، معبراً عنه بدلالة الأسعار التي بيعت بها هذه المنتجات . ومع ذلك ، فأي اقتصاد يستخدم سلع رأسمالية في الإنتاج سوف يستهلك جزءاً من رصيد رأسماله في خلال فترة الإنتاج . وهكذا ، للحصول من إجمالي الناتج القومي على صافي الناتج القومي NDP ، فإنه يطرح مجموع مخصصات الإهلاك ( وهي الأموال المخصصة لاستبدال الآلات القديمة بآلات حديثة ، أو مخصصات الصيانة ) ، أو يطرح مخصصات الإهلاك من إجمالي الاستثمار الخاص ليعطي صافي الاستثمار المحلي I فإنه يكون لدينا ( NDP = C + I + GE + ( Ex – Im . إن صافي الناتج القومي أو الدخل القومي بأسعار السوق تستخدم على نطاق واسع في التحليل الاقتصادي . الدخل القومي Domestic Income : يمكن تعريف الدخل بالنسبة للفرد بأنه مقدار "مكاسبه" Earningsمن الخدمات الإنتاجية التي تؤدى في الفترة الجارية بواسطته شخصياً أو بواسطة أملاكه . والدخل القومي هو مجموع المداخيل الفردية ، وبالتالي فإن مجموع الدخل المكتسب بواسطة إنتاج السلع والخدمات في اقتصاد ما خلال فترة معينة ( عادة سنة ) هو الدخل القومي لهذا الاقتصاد . وتعريف الدخل على أنه "مكاسب" يميزه عن "مقبوضات الدخل" Income Receipts . فالدخل قد يكتسب خلال إحدى الفترات ولكن لا يقبض ، إما لأنه يؤخذ في صورة ضرائب قبل أن يستلم ، أو لأنه يحتجز في مكان ما ليعاد دفعه في تاريخ لاحق . والدخل يجب أن يميز بوضوح عن تحويلات الأصول Asset Transformation . فإذا أنت بعت منزلاً أو سنداً أو حق اختراع فإن حصيلة البيع لا تمثل دخلاً ، أو إذا سدد دين فإن مقدار السداد لا يمثل دخلاً ، وكل ما حدث هو أن أحد أشكال الثروة ( منزل ، سند ، حق اختراع ) قد حول إلى شكل آخر ( عادة شكل نقدي ) . ومن ناحية أخرى ، الإيجار من المنزل ، والفائدة من السند ، والأتاوة من الاختراع هي دخل . وهكذا يمكن القول أن الدخل القومي هو مجموع : 1- الأجور والمرتبات ، والعمولات ، والمكافآت والأشكال الأخرى لمكاسب الموظفين ( قبل خصم الضرائب أو اشتراكات التأمينات الاجتماعية والمعاشات ) . 2- صافي الدخل من الإيجارات والأتاوات . 3- دخل الفائدة . 4- الأرباح ، سواء أرباح الشركات المساهمة ، أو شركات الأشخاص ، أو الملكيات الفردية ، وسواء دفعت للملاك أو احتجزت في المشروع التجاري ، وقبل استقطاع الضرائب المفروضة على الدخل . العلاقة بين الناتج القومي والدخل القومي : إن الدخل القومي ( من الناحية النظرية ) لاقتصاد ما يكون مساوياً في الحجم لإجمالي ناتجه القومي . والمساواة توجد لأن كل دولار منفق بواسطة الشارين يميل لأن يستلم كدخل بواسطة منتجو السلع والخدمات المشتراة . وحيث أن المدفوعات بواسطة الشاري تميل لأن تكون مساوية للمداخيل المستلمة بواسطة أصحاب عوامل الإنتاج : العمل ، الأرض ، رأس المال ، والتنظيم ، لتعويضهم عن استخدام عواملهم في عملية الإنتاج ، فإنه من الممكن تحديد قيمة ومقدار الإنتاج الذي يحدث في اقتصاد ما بطريقتين : عن طريق الناتج الذي يقدر الإنفاق الكلي على السلع والخدمات ، أو عن طريق الدخل الذي يقدر الدخل الكلي المكتسب من إنتاج السلع والخدمات . إن تقديرات إجمالي الناتج القومي والدخل القومي تحسب دورياً في معظم البلدان ، وهذا يساعد على ضمان تحديد أكثر دقة لحجم وقيمة النشاط الإنتاجي الذي يحدث في الاقتصاد خلال فترة معينة . وبالرغم من أنهما يقيسا أساساً نفس الشيء ، فإن تقديرات إجمالي الناتج القومي والدخل القومي قد لا تعطينا بالضرورة مجاميع متماثلة ، طالما أن أحدهما يقيس كم أنفق والآخر يقيس كم استلم . اجمالي الناتج القومي - ( ناقص ) مخصصات إهلاك رأس المال = صافي الناتج القومي ( أو الدخل القومي بأسعار السوق ) - ( ناقص ) الضرائب غير المباشرة على قطاع الأعمال - ( ناقص ) المدفوعات التحويلية لقطاع الأعمال - ( ناقص ) فائض المشاريع الحكومية مخصوماً منه الإعانات الحكومية = الدخل القومي ( بتكلفة عوامل الإنتاج ) . إجمالي الناتج القومي كمؤشر للنمو الاقتصادي : يعتبر إجمالي الناتج القومي أبرز مؤشر على وضع ونشاط الاقتصاد ككل ، وبالتالي فهو يدلنا على مستوى النمو الاقتصادي الذي يعتبر الشغل الشاغل لكل السياسات الاقتصادية والمالية . وبالتالي تقوم كل دولة باحتساب معدل ارتفاع إجمالي الناتج القومي الشهري أو السنوي ، وهو له أثر كبير على قوة أو ضعف الاقتصاد على المدى المتوسط والطويل ، وبالتالي على قوة أو ضعف العملة بشكل عام . كما أن صدوره على ارتفاع كبير أو هبوط كبير يمكن أن يؤثر في الحركة المباشرة لسعر العملة .