عرض مشاركة واحدة
قديم 25-07-2014, 11:29 PM   المشاركة رقم: 20
الكاتب
snowwhite
عضو متميز
الصورة الرمزية snowwhite

البيانات
تاريخ التسجيل: Jul 2014
رقم العضوية: 20069
المشاركات: 902
بمعدل : 0.25 يوميا

الإتصالات
الحالة:
snowwhite غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : snowwhite المنتدى : منتدى الاخبار و التحليل الاساسى
افتراضي رد: ~*¤ô§ô¤*~ *مكتبة حلقــــــات اقتصاديــــة فى التحليل الأساسى -*~*¤ô§ô¤*~

سلسلة حلقات اقتصادية – الحلقة 19 : التجارة الدولية (1)

تاريخ التجارة الدولية :

إن التجارة الدولية International Trade أو بمعنى آخر التبادل الدولي قديم قدم التاريخ نفسه ، فقد أنبأنا التاريخ عن وجود علاقات تجارية دولية كانت زاهرة بين المصريين القدماء وبين جيرانهم من دول البحر الأبيض المتوسط ، كما حظيت فينيقيا بمركز تجاري كبير في الزمن القديم ونمت تجارتها الخارجية مع عدد من الدول القديمة .

ونفس هذا يقال عن دول أخرى أينعت بها الحضارة الإنسانية فكان لها شأن كبير في تاريخ البشرية منذ زمن بعيد بفضل وجود العلاقات التجارية الدولية التي أدت إلى زيادة مدخولها القومي وإلى تموينها بما تحتاج إليه من سلع إنتاجية واستهلاكية أثرت تأثيراً واضحاً في دفعها قدماً إلى الأمام .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ودول العالم اليوم مهما تباينت نظمها السياسية والاقتصادية يصعب عليها أن تعيش في عزلة اقتصادية عن غيرها من الدول ، فقد أصبح من قبيل البديهيات أن نرى دولة كروسيا تتصل اتصالاً تجارياً خارجياً مع غيرها من الدول كإنكلترا وهولندا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً . ومن ثم وكنتيجة لهذه الشبكة الكبيرة من الاتصالات الاقتصادية بين الدول في عالم اليوم أصبح العالم كله ، بدوله الكبرى والصغرى المتقدمة منها والنامية ، في علاقات اقتصادية تجارية خارجية متشابكة .

إن دول العالم تتبادل السلع والخدمات وتتبادل رؤوس الأموال بسهولة ويسر ، فهذه تصدر القطن وتلك تصدر المطاط وثالثة تصدر النفط وهكذا ، بينما بعضها يستورد القمح أو السيارات أو المعدات والآلات ، وهكذا تتبادل الدول المنافع بشكل تلقائي يتضمن الإفادة والاستفادة .

ولتأكيد تلك الفكرة مرة أخرى نتساءل هل يستطيع الفرد العادي أن ينتج كل ما يحتاجه من سلع وخدمات ؟ الإجابة هي قطعاً لا ، وعندئذ ينبغي على هذا الفرد أن يتخصص في نوع معين من الإنتاج . فالإنسان لا يمكن أن يعيش وأن يرتفع في مستوى معيشته إذا كان هو نفسه صانع غذائه وصانع ملابسه وباني بيته في آن ، وإنما يجب أن يتخصص في عمل واحد فقط يتقنه ثم ، وعن طريق هذا العمل ، يبيع مجهوده إلى الآخرين الذين يطلبون هذا العمل أو هذا المجهود لقاء أجر يشتري به ما يشاء من سلع وخدمات .

وإذا كان هذا كله صحيحاً بالنسبة للفرد فهو صحيح بالنسبة للدولة في العصر الحديث ، التي يتحتم عليها ألا تعتمد على نفسها اعتماداً كلياً في إنتاج كل ما تحتاجه ويحتاجه شعبها من سلع وخدمات متنوعة ومختلفة ، سواء في المجال الزراعي أو الصناعي أو التعديني أو التكنولوجي . وعندئذ فلا مراء من أن تتصل بغيرها من الدول اتصالاً تجارياً خارجياً عن طريق الصادرات Exports والوارداتImports .

والحقيقة الاقتصادية الأساسية في التجارة الخارجية هي في طبيعتها المزدوجة Dual Nature ، إذ أن كل دولة تعتبر مصدرة ومستوردة في وقت واحد . وهناك ترابط واضح بين الصادرات والواردات ، فلا يتسنى لدولة ما أن تعيش إلى الأبد "دولة مصدرة" دون أن تستورد شيئاً ، كما لا يتسنى لدولة أخرى أن تعيش إلى الأبد "دولة مستوردة" دون أن تصدر شيئاً . ولكن من الجائز أن تصدر دولة ما أكثر مما تستورد ، أو العكس تستورد أكثر مما تصدر . إلا أن هذا الوضع الأخير يحمل في طياته خطورة اقتصادية لا يستهان بها هي حصول اختلال في ميزان المدفوعات Balance of Payments . ولا ينتهي هذا الاختلال إلا إذا عمدت الدولة إلى تشجيع صادراتها ، وفي نفس الوقت تعمل على الإقلال من وارداتها ، ليحدث ذلك التوازن التلقائي في ميزان مدفوعاتها .

ومن أجل هذا قال الاقتصاديون القدماء قولهم المأثور : "إن الواردات تدفع قيمتها بالصادرات ، وإن الدولة لا تستطيع أن تستورد إلا بقدر ما تصدر" .

تطور التجارة الدولية عبر العصور :

1- التجارة الدولية قديماً : تطورت التجارة الدولية بتطور العلاقات الإنسانية نفسها ، كما سارت جنباً إلى جنب مع السير الطبيعي لتكوين الدول والإمبراطوريات ، فبعد أن انتقلت الإنسانية من العصور البدائية وعرفت الاستقرار في أرض زراعية تفلحها وتأكل من ثمراتها ، بدأت التجارة الخارجية تأخذ شكلاً جنينياً صغيراً ، إذ تبادل الأفراد ما يفيض عن غلاتهم الزراعية بما يفيض من سلع أخرى عبر الحدود الإقليمية ، ومن ثم تركزت التجارة الدولية في ذلك الوقت ببعض السلع الزراعية التقليدية ، وبعض السلع الترفيهية الغالية الثمن . وقد اشتهرت الإمبراطورية الصينية قديماً بسلعها القيمة الدقيقة الصنع التي تبادلها مع بعض السلع الهندسية أو بعض التوابل التي تنتجها الجزر المجاورة .

وقد كانت الظروف الجغرافية نفسها إحدى العوامل الأساسية التي ساعدت على ذلك ، كما كان للمناخ أو لخصوبة التربة أو لحذق الشعب في فنون صناعية يدوية معينة أو لغير ذلك من الأسباب الطبيعية أو المكتسبة أثر واضح في خلق الأسباب التي من أجلها تقوم التجارة الخارجية بين الشعوب . ونذكر على سبيل المثال أن فينيقيا في حقبة تاريخية معينة تمتعت بموقع جغرافي فريد مهد لها سبيل الاتجار مع غيرها من الدول المجاورة .

2- التجارة الدولية في العصور الوسطى :تغيرت هياكل التجارة الخارجية إبان العصور الوسطى ، أي منذ سقوط روما عام 476 ميلادية حتى عام 1500 ميلادية . وهناك أسباب عديدة لهذا التغير ، لعله أهمها تغير شكل المجتمع نفسه وخاصة في أوروبا من العصر الروماني القديم إلى العصر الإقطاعي ذو التنظيم السياسي الهرمي . فكان في أعلا هذا الهرم يتربع الزعيم السياسي ، ثم يجيء بعده أمراء الإقطاع الذين يملكون الأراضي الشاسعة بدون حساب ، وفي أسفل الهرم يجيء تابع الأرض الفلاح الذي يعمل ليل نهار . مثل هذا النظام الاجتماعي قلما يؤدي إلى ازدهار التجارة الدولية أو اتساع أحجامها .

ولكن الأحوال لا تستمر على ذلك إلى الأبد وإنما هناك تغيير ، والتغيير قد شمل النظام الإقطاعي السالف الذكر ولكن بعد قرون عديدة ، ونتيجة لهذا التغير ظهرت بعض المدن التجارية الغنية في إيطاليا وإنكلترا وإسبانيا والبرتغال ، وهي المدن التي عرفت التجارة الخارجية عن طريق المغامرات البحرية ، مما أدى إلى كشوف جغرافية هامة في أمريكا الشمالية والجنوبية .

3- سياسة التجاريين : سياسة التجاريين هي في تقوية التجارة الدولية إلى أقصى إمكانيات الدولة الاقتصادية والسياسية على اعتبار أن التجارة الدولية وزيادة الصادرات عن الواردات بالذات هي الوسيلة الأولى لتحقيق النمو المضطرد ، وبالتالي إلى زيادة ثروة الدولة وتقوية نفوذها السياسي بين الدول .

4- الثورة الصناعية والفكر الكلاسيكي :كان آدم سميث أول من أعلن عداءه للسياسة التجارية ، ومن ثم انتقل إلى الجانب الإيجابي من سياسته الكلاسيكية الحرة ومؤداه أنه يجب أن يتحرر نظام الإنتاج من كل القيود ، ويترك أمره للمنافسة التي تحدد أبعاده المختلفة . فهناك قانون طبيعي ينطوي على عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي الداخلي والخارجي ، ومن ثم فلا بد من أن يبرز إلى الوجود رجل الأعمال النشط المجد المكافح الذي يعمل لصالحه الفردي محققاً أقصى الأرباح ، وبذلك يعمل في الوقت نفسه لصالح المجتمع .

ونظرية آدم سميث هذه ما كان يكتب لها الذيوع والانتشار لو لم تكن الظروف الاقتصادية والسياسية السائدة في ذلك الوقت تساعد على ذلك . فلقد اندلعت الثورة الصناعية Industrial Revolution باكتشاف قوة البخار وبحدوث تغييرات عديدة بعيدة الأثر ، كاختراع السكك الحديدية والسفن البخارية ، وظهور المصانع الكبيرة والورش التي تستخدم المعدات والآلات المتطورة ، كل هذا أدى إلى زيادة الإنتاج وإلى تنوع هذا الإنتاج ، ومن ثم ظهور الرأسمالي Capitalist الجديد الغني ، وزاد نفوذه في المدن والقرى الصناعية الجديدة ، فكون مع غيره من الرأسماليين ما يسمى بالطبقة الرأسمالية الجديدة التي تعتمد على المال في إبراز نفوذها وقوتها .

5- القرن التاسع عشر :تميز بسيادة النظرية الكلاسيكية في التجارة الدولية ، وهي النظرية التي كتب أحرفها الأولى آدم سميث "التكاليف المطلقة" Absolute Costs ، وهي نظرية اعتمدت أساساً على حرية التجارة الدولية دون قيود حكومية تحدها أو تنظمها .

ومن ثم استقر هيكل التجارة الدولية العام في القرن التاسع عشر على وضع ثابت . فالدول الصناعية المتقدمة تصدر السلع والمنتجات التامة الصنع وخاصة المنسوجات وبعض المعدات والآلات إلى الدول المستعمرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وهذه الأخيرة تصدر المواد الأولية كالقطن والشاي والبن والمطاط والقصدير وما إلى ذلك .

ولقد حققت هذه النظرية في القرن التاسع عشر نجاحاً ملموساً ، فتدعمت التجارة الخارجية وزاد حجمها .

6- القرن العشرين : تطورت الأجهزة الاقتصادية في الدول الغربية الرأسمالية وخاصة في أعقاب أزمة 1930 الشهيرة تطوراً جعل من النظرية الكلاسيكية ، وبالتالي من أرضيتها الفكرية القائمة على أساس "اتركه يعمل ، اتركه يمر" ، نظرية تاريخية ولى عهدها وانقضى . فقد زالت المنافسة الفعالة بين المؤسسات المختلفة داخل الدولة ، وبدأت الحكومات تتدخل فعلاً في النشاط الاقتصادي ، وقامت نظم مركزية للتخطيط والتنظيم ، وعمدت الدول الرأسمالية نفسها إلى تنظيم تجارتها الخارجية بحجة أن مثل هذا القطاع هام ومؤثر وفعال ، ومن ثم فمن الخطورة تركه في يد الأفراد العاديين كما تنادي به النظرية الكلاسيكية وكما فرضه الواقع الاقتصادي للقرن التاسع عشر .

ومن التطورات الاقتصادية ذات الشأن في القرن العشرين ، والتي لها علاقة وثيقة بالتجارة الخارجية ، اختفاء نظام الذهب Gold System الذي كان معمولاً به في القرن التاسع عشر للمدفوعات الدولية ، وإحلال نظم نقدية أخرى محله .

وأخيراً فقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين بداية واضحة نحو التكامل الاقتصادي العالمي وتكوين الأسواق المشتركة . فلم تعد هذه الدول تؤمن بأهمية التجارة الدولية الفردية بينها وبين دول العالم كل على انفراد ، وإنما أصبحت تؤمن بالفائدة القصوى التي تنجم عن الانضمام إلى سوق كبيرة يضم بعض الدول الأخرى المجاورة ، والتي تشبهها اقتصادياً وتجارياً ، مكونة في ذلك ما يسمى بالتكامل الاقتصادي . وليس أدل على هذا الاتجاه العالمي من وجود السوق الأوروبية المشتركة ، وغيرها من الأسواق .



عرض البوم صور snowwhite  
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 25-07-2014, 11:29 PM
snowwhite snowwhite غير متواجد حالياً
عضو متميز
افتراضي رد: ~*¤ô§ô¤*~ *مكتبة حلقــــــات اقتصاديــــة فى التحليل الأساسى -*~*¤ô§ô¤*~

سلسلة حلقات اقتصادية – الحلقة 19 : التجارة الدولية (1)

تاريخ التجارة الدولية :

إن التجارة الدولية International Trade أو بمعنى آخر التبادل الدولي قديم قدم التاريخ نفسه ، فقد أنبأنا التاريخ عن وجود علاقات تجارية دولية كانت زاهرة بين المصريين القدماء وبين جيرانهم من دول البحر الأبيض المتوسط ، كما حظيت فينيقيا بمركز تجاري كبير في الزمن القديم ونمت تجارتها الخارجية مع عدد من الدول القديمة .

ونفس هذا يقال عن دول أخرى أينعت بها الحضارة الإنسانية فكان لها شأن كبير في تاريخ البشرية منذ زمن بعيد بفضل وجود العلاقات التجارية الدولية التي أدت إلى زيادة مدخولها القومي وإلى تموينها بما تحتاج إليه من سلع إنتاجية واستهلاكية أثرت تأثيراً واضحاً في دفعها قدماً إلى الأمام .

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ودول العالم اليوم مهما تباينت نظمها السياسية والاقتصادية يصعب عليها أن تعيش في عزلة اقتصادية عن غيرها من الدول ، فقد أصبح من قبيل البديهيات أن نرى دولة كروسيا تتصل اتصالاً تجارياً خارجياً مع غيرها من الدول كإنكلترا وهولندا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً . ومن ثم وكنتيجة لهذه الشبكة الكبيرة من الاتصالات الاقتصادية بين الدول في عالم اليوم أصبح العالم كله ، بدوله الكبرى والصغرى المتقدمة منها والنامية ، في علاقات اقتصادية تجارية خارجية متشابكة .

إن دول العالم تتبادل السلع والخدمات وتتبادل رؤوس الأموال بسهولة ويسر ، فهذه تصدر القطن وتلك تصدر المطاط وثالثة تصدر النفط وهكذا ، بينما بعضها يستورد القمح أو السيارات أو المعدات والآلات ، وهكذا تتبادل الدول المنافع بشكل تلقائي يتضمن الإفادة والاستفادة .

ولتأكيد تلك الفكرة مرة أخرى نتساءل هل يستطيع الفرد العادي أن ينتج كل ما يحتاجه من سلع وخدمات ؟ الإجابة هي قطعاً لا ، وعندئذ ينبغي على هذا الفرد أن يتخصص في نوع معين من الإنتاج . فالإنسان لا يمكن أن يعيش وأن يرتفع في مستوى معيشته إذا كان هو نفسه صانع غذائه وصانع ملابسه وباني بيته في آن ، وإنما يجب أن يتخصص في عمل واحد فقط يتقنه ثم ، وعن طريق هذا العمل ، يبيع مجهوده إلى الآخرين الذين يطلبون هذا العمل أو هذا المجهود لقاء أجر يشتري به ما يشاء من سلع وخدمات .

وإذا كان هذا كله صحيحاً بالنسبة للفرد فهو صحيح بالنسبة للدولة في العصر الحديث ، التي يتحتم عليها ألا تعتمد على نفسها اعتماداً كلياً في إنتاج كل ما تحتاجه ويحتاجه شعبها من سلع وخدمات متنوعة ومختلفة ، سواء في المجال الزراعي أو الصناعي أو التعديني أو التكنولوجي . وعندئذ فلا مراء من أن تتصل بغيرها من الدول اتصالاً تجارياً خارجياً عن طريق الصادرات Exports والوارداتImports .

والحقيقة الاقتصادية الأساسية في التجارة الخارجية هي في طبيعتها المزدوجة Dual Nature ، إذ أن كل دولة تعتبر مصدرة ومستوردة في وقت واحد . وهناك ترابط واضح بين الصادرات والواردات ، فلا يتسنى لدولة ما أن تعيش إلى الأبد "دولة مصدرة" دون أن تستورد شيئاً ، كما لا يتسنى لدولة أخرى أن تعيش إلى الأبد "دولة مستوردة" دون أن تصدر شيئاً . ولكن من الجائز أن تصدر دولة ما أكثر مما تستورد ، أو العكس تستورد أكثر مما تصدر . إلا أن هذا الوضع الأخير يحمل في طياته خطورة اقتصادية لا يستهان بها هي حصول اختلال في ميزان المدفوعات Balance of Payments . ولا ينتهي هذا الاختلال إلا إذا عمدت الدولة إلى تشجيع صادراتها ، وفي نفس الوقت تعمل على الإقلال من وارداتها ، ليحدث ذلك التوازن التلقائي في ميزان مدفوعاتها .

ومن أجل هذا قال الاقتصاديون القدماء قولهم المأثور : "إن الواردات تدفع قيمتها بالصادرات ، وإن الدولة لا تستطيع أن تستورد إلا بقدر ما تصدر" .

تطور التجارة الدولية عبر العصور :

1- التجارة الدولية قديماً : تطورت التجارة الدولية بتطور العلاقات الإنسانية نفسها ، كما سارت جنباً إلى جنب مع السير الطبيعي لتكوين الدول والإمبراطوريات ، فبعد أن انتقلت الإنسانية من العصور البدائية وعرفت الاستقرار في أرض زراعية تفلحها وتأكل من ثمراتها ، بدأت التجارة الخارجية تأخذ شكلاً جنينياً صغيراً ، إذ تبادل الأفراد ما يفيض عن غلاتهم الزراعية بما يفيض من سلع أخرى عبر الحدود الإقليمية ، ومن ثم تركزت التجارة الدولية في ذلك الوقت ببعض السلع الزراعية التقليدية ، وبعض السلع الترفيهية الغالية الثمن . وقد اشتهرت الإمبراطورية الصينية قديماً بسلعها القيمة الدقيقة الصنع التي تبادلها مع بعض السلع الهندسية أو بعض التوابل التي تنتجها الجزر المجاورة .

وقد كانت الظروف الجغرافية نفسها إحدى العوامل الأساسية التي ساعدت على ذلك ، كما كان للمناخ أو لخصوبة التربة أو لحذق الشعب في فنون صناعية يدوية معينة أو لغير ذلك من الأسباب الطبيعية أو المكتسبة أثر واضح في خلق الأسباب التي من أجلها تقوم التجارة الخارجية بين الشعوب . ونذكر على سبيل المثال أن فينيقيا في حقبة تاريخية معينة تمتعت بموقع جغرافي فريد مهد لها سبيل الاتجار مع غيرها من الدول المجاورة .

2- التجارة الدولية في العصور الوسطى :تغيرت هياكل التجارة الخارجية إبان العصور الوسطى ، أي منذ سقوط روما عام 476 ميلادية حتى عام 1500 ميلادية . وهناك أسباب عديدة لهذا التغير ، لعله أهمها تغير شكل المجتمع نفسه وخاصة في أوروبا من العصر الروماني القديم إلى العصر الإقطاعي ذو التنظيم السياسي الهرمي . فكان في أعلا هذا الهرم يتربع الزعيم السياسي ، ثم يجيء بعده أمراء الإقطاع الذين يملكون الأراضي الشاسعة بدون حساب ، وفي أسفل الهرم يجيء تابع الأرض الفلاح الذي يعمل ليل نهار . مثل هذا النظام الاجتماعي قلما يؤدي إلى ازدهار التجارة الدولية أو اتساع أحجامها .

ولكن الأحوال لا تستمر على ذلك إلى الأبد وإنما هناك تغيير ، والتغيير قد شمل النظام الإقطاعي السالف الذكر ولكن بعد قرون عديدة ، ونتيجة لهذا التغير ظهرت بعض المدن التجارية الغنية في إيطاليا وإنكلترا وإسبانيا والبرتغال ، وهي المدن التي عرفت التجارة الخارجية عن طريق المغامرات البحرية ، مما أدى إلى كشوف جغرافية هامة في أمريكا الشمالية والجنوبية .

3- سياسة التجاريين : سياسة التجاريين هي في تقوية التجارة الدولية إلى أقصى إمكانيات الدولة الاقتصادية والسياسية على اعتبار أن التجارة الدولية وزيادة الصادرات عن الواردات بالذات هي الوسيلة الأولى لتحقيق النمو المضطرد ، وبالتالي إلى زيادة ثروة الدولة وتقوية نفوذها السياسي بين الدول .

4- الثورة الصناعية والفكر الكلاسيكي :كان آدم سميث أول من أعلن عداءه للسياسة التجارية ، ومن ثم انتقل إلى الجانب الإيجابي من سياسته الكلاسيكية الحرة ومؤداه أنه يجب أن يتحرر نظام الإنتاج من كل القيود ، ويترك أمره للمنافسة التي تحدد أبعاده المختلفة . فهناك قانون طبيعي ينطوي على عدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي الداخلي والخارجي ، ومن ثم فلا بد من أن يبرز إلى الوجود رجل الأعمال النشط المجد المكافح الذي يعمل لصالحه الفردي محققاً أقصى الأرباح ، وبذلك يعمل في الوقت نفسه لصالح المجتمع .

ونظرية آدم سميث هذه ما كان يكتب لها الذيوع والانتشار لو لم تكن الظروف الاقتصادية والسياسية السائدة في ذلك الوقت تساعد على ذلك . فلقد اندلعت الثورة الصناعية Industrial Revolution باكتشاف قوة البخار وبحدوث تغييرات عديدة بعيدة الأثر ، كاختراع السكك الحديدية والسفن البخارية ، وظهور المصانع الكبيرة والورش التي تستخدم المعدات والآلات المتطورة ، كل هذا أدى إلى زيادة الإنتاج وإلى تنوع هذا الإنتاج ، ومن ثم ظهور الرأسمالي Capitalist الجديد الغني ، وزاد نفوذه في المدن والقرى الصناعية الجديدة ، فكون مع غيره من الرأسماليين ما يسمى بالطبقة الرأسمالية الجديدة التي تعتمد على المال في إبراز نفوذها وقوتها .

5- القرن التاسع عشر :تميز بسيادة النظرية الكلاسيكية في التجارة الدولية ، وهي النظرية التي كتب أحرفها الأولى آدم سميث "التكاليف المطلقة" Absolute Costs ، وهي نظرية اعتمدت أساساً على حرية التجارة الدولية دون قيود حكومية تحدها أو تنظمها .

ومن ثم استقر هيكل التجارة الدولية العام في القرن التاسع عشر على وضع ثابت . فالدول الصناعية المتقدمة تصدر السلع والمنتجات التامة الصنع وخاصة المنسوجات وبعض المعدات والآلات إلى الدول المستعمرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وهذه الأخيرة تصدر المواد الأولية كالقطن والشاي والبن والمطاط والقصدير وما إلى ذلك .

ولقد حققت هذه النظرية في القرن التاسع عشر نجاحاً ملموساً ، فتدعمت التجارة الخارجية وزاد حجمها .

6- القرن العشرين : تطورت الأجهزة الاقتصادية في الدول الغربية الرأسمالية وخاصة في أعقاب أزمة 1930 الشهيرة تطوراً جعل من النظرية الكلاسيكية ، وبالتالي من أرضيتها الفكرية القائمة على أساس "اتركه يعمل ، اتركه يمر" ، نظرية تاريخية ولى عهدها وانقضى . فقد زالت المنافسة الفعالة بين المؤسسات المختلفة داخل الدولة ، وبدأت الحكومات تتدخل فعلاً في النشاط الاقتصادي ، وقامت نظم مركزية للتخطيط والتنظيم ، وعمدت الدول الرأسمالية نفسها إلى تنظيم تجارتها الخارجية بحجة أن مثل هذا القطاع هام ومؤثر وفعال ، ومن ثم فمن الخطورة تركه في يد الأفراد العاديين كما تنادي به النظرية الكلاسيكية وكما فرضه الواقع الاقتصادي للقرن التاسع عشر .

ومن التطورات الاقتصادية ذات الشأن في القرن العشرين ، والتي لها علاقة وثيقة بالتجارة الخارجية ، اختفاء نظام الذهب Gold System الذي كان معمولاً به في القرن التاسع عشر للمدفوعات الدولية ، وإحلال نظم نقدية أخرى محله .

وأخيراً فقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين بداية واضحة نحو التكامل الاقتصادي العالمي وتكوين الأسواق المشتركة . فلم تعد هذه الدول تؤمن بأهمية التجارة الدولية الفردية بينها وبين دول العالم كل على انفراد ، وإنما أصبحت تؤمن بالفائدة القصوى التي تنجم عن الانضمام إلى سوق كبيرة يضم بعض الدول الأخرى المجاورة ، والتي تشبهها اقتصادياً وتجارياً ، مكونة في ذلك ما يسمى بالتكامل الاقتصادي . وليس أدل على هذا الاتجاه العالمي من وجود السوق الأوروبية المشتركة ، وغيرها من الأسواق .




رد مع اقتباس