أن يأتي متأخرا أفضل من ألا يأتي قط: نشر صندوق النقد الدولي تقييما لأدائه قبل الأزمة المالية. هذا التقييم تجب قراءته وتكراره من قبل الاقتصاديين في كل مكان.
ويقدم "مكتب التقييم المستقل" التابع لصندوق النقد الدولي ـــ تأسس قبل عشر سنوات، عقب الأزمة المالية الآسيوية ـــ وصفا صريحا ومباشرا لإخفاقات صندوق النقد في مرحلة ما قبل الأزمة. والإخفاق كان موجودا. ولاحظت منشورات صندوق النقد الدولي كثيرا من المخاطر التي أوشكت لاحقا أن تفجر النظام المالي العالمي، لكنها تجاهلت نطاق هذه المخاطر وإلى أي مدى كانت مترابطة. وقوضت الرسائل المتفائلة المتضمنة في عنوان التقرير ما كان ينبغي عرضه على أنه أسباب تدعو إلى الحذر.
وأسباب ذلك تعود جزئيا إلى الجانب المؤسسي. ففي داخل الصندوق يتسم التواصل بين الخبراء الماليين وخبراء الاقتصاد الكلي بكونه سيئا. ولم توجد المنظمة ربطا بين النتائج في البلدان التي كانت تتشكل فيها مخاطر متماثلة ـــ خصوصا مراكز طفرة الإسكان ـــ ولا هي وضعت في الاعتبار تماما قابلية انكشاف بلد ما للمخاطر في بلدان أخرى.
لكن كانت هناك إخفاقات فكرية أيضا. فكثير من محللي صندوق النقد الدولي كانوا أسرى الأنموذج نفسه، مثلهم مثل معظم الاقتصاديين الآخرين. وإلى حد كبير تغفل النماذج القطاع المالي، كما تغفل ذهنية تقبل بالحكمة التقليدية القائلة بـ "الاعتدال العظيم"، التي أخذت فيها السياسة النقدية صفة الكمال وأدت فيها الابتكارات المالية إلى السيطرة على التقلبات. والأصوات المنشقة ـــ وهي كانت موجودة ـــ تم تجاهلها في أحسن الأحوال، وفي أسوئها تم تشجيعها على السقوط في صمت.
وعلى نحو يبعث على الدهشة، يمكن توجيه هذه الاتهامات فعليا ضد أي مؤسسة اقتصادية أخرى ـــ خصوصا البنوك المركزية وكثير من الجهات الأكاديمية الاقتصادية. ربما لا يعترف الاقتصاديون بذلك، لكنهم جميعا بشر معرضون للضعف البشري المعتاد في التفكير الجمعي وفي المبالغة في تقييم قدراتهم.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للخيارات السياسية الخاصة بالحماية من أزمة جديدة؟ يعني نماذج اقتصادية أفضل ـــ وموقف انتقادي أكبر حتى للنماذج التي بحوزتنا، بما يشمل الاستماع إلى أصوات من خارج المجتمع الاقتصادي ـــ يمكن أن تقلص عجزنا عن رؤية المخاطر الناشئة. لكن بعض المخاطر ربما تكون بطبعها غير قابلة للتوقع. وإدراكنا لما نجهله ينبغي أن يشجع على انتهاج سياسة احترازية حتى وإن كنا لا نرى خطرا.
ورد الفعل السريع من جانب صندوق النقد الدولي على الأزمة عوض كثيرا من التجاهل الأول. وبإجرائه تدقيقا لما سار في طريق خاطئ يعود الصندوق مجددا إلى القيادة. وينبغي للآخرين الآن أن يتبعوه.