بشكل عام، من حسن الممارسة بالنسبة إلى كُتاب الأعمدة ألا يتبنوا أسماء مرشحين لشغل أي وظيفة عليا. غير أن السياسة المتعلقة بخلافة رئيس البنك المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، أصبحت جزءا من الأزمة نفسها. وقرار أكسل فيبر، رئيس البنك المركزي الألماني ''بوندسبانك''، الانسحاب من السباق يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي التوصل في آذار (مارس) إلى صفقة تؤدي إلى حل الأزمة. ودون وجود ألماني على قمة البنك المركزي الأوروبي ستكون أنجيلا ميركل بحاجة إلى غنيمة أخرى تجلبها للبلاد من هذه المفاوضات. وربما يثبت أن ذلك أمر صعب.
قبل أسبوع كتبت أن النتيجة الأكثر احتمالاً هي التوصل إلى صفقة ملتبسة. وفي الأسبوع الماضي ازداد احتمال أن ينتهي الأمر إلى إخفاق صريح. فقد توقفت المفاوضات الخاصة بزيادة حجم ومدى تسهيلات الاستقرار المالي الأوروبي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى محادثات تتعلق بميثاق حول التنافسية على الطريقة الألمانية. وأثناء ذلك توسعت فروق السندات بالنسبة إلى البرتغال إلى مستويات قياسية جديدة. ومن الواضح كذلك أن القطاع المصرفي الإيرلندي يحتاج إلى كميات من رأس المال تزيد عما اقترحته التقديرات السابقة. واعتباراً من 28 كانون الثاني (يناير) بلغ حجم مساعدة الإقراض الطارئ من قبل البنك المركزي الإيرلندي للبنوك الإيرلندية – برنامج سيولة خارج نطاق عمليات البنك المركزي الأوروبي - رقماً مذهلاً عند 1.1 مليار يورو. ويعطي ذلك إحساساً تقريبياً بمدى الحاجة إلى رأسمال إضافي.
بكلمات أخرى، الأزمة المالية الأوروبية تحولت إلى الأسوأ. ومن شأن سباق خلافة يدار بطريقة سيئة أن يفضي إلى تفاقم الانقسام بين بلدان منطقة اليورو المركزية والبلدان الطرفية.
وإذا لم تحل مشاكل الخلافة لفترة طويلة، أو الأسوأ من ذلك أن يتم حلها على نحو سيئ، فإنها يمكن أن تتسبب في حالة جديدة من فقدان الثقة. وسيكون هذا التعيين هو الأهم على مستوى الاتحاد الأوروبي خلال عدة عقود، لأنه بيان سياسي حول رغبة منطقة اليورو وقدرتها على مواجهة الأزمة.
فمن الذي نبحث عنه؟ يجب أن يكون شخصاً لديه مزيج غير متوقع من المزايا: مصرفي مركزي خبير لديه فهم عميق بالاقتصاد النقدي والمالي، ومعرفة بالنظام المالي، وقدرة على التوصل إلى توافق في مجلس حاكم صعب المراس، غالباً ما يسوده الانقسام. وينبغي كذلك أن يكون قادراً على تقديم ذلك التوافق إلى العالم الخارجي، وقادرا على الوقوف في وجه الزعماء السياسيين الكبار، مثل الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية. وأخيراً، من المفترض أن يكون ممثلاً ذا صدقية أمام العالم الخارجي، بمن في ذلك المستثمرين العالميين.
كانت منطقة اليورو محظوظة بأن يكون تريشيه رئيساً للبنك المركزي الأوروبي أثناء الأزمة، فهو يملك كثيرا من هذه المزايا. ولدى فيبر بعضاً منها. لكنه لم يكن قادراً على التواصل بخصوص الحلول الوسط التي لا يعتقد بجدواها. كذلك الطريقة التي أدار بها خروجه من الخدمة العامة أظهرت نقصاً مدهشاً في الحصافة السياسية.
ومن بين المرشحين الباقين ضمن المناقشة العامة والمتوافرين، شخص لسوء الحظ، واحد فقط يمكن أن يكون لديه الحد الأدنى الكافي من قائمة المعايير الواردة أعلاه. إنه ماريو دراجي، رئيس بنك إيطاليا (المركزي). إضافة إلى معرفته بالنظام المالي العالمي بصفته رئيساً لمجلس الاستقرار المالي، درس دراجى الاقتصاد. وهو معتاد على التعامل مع السياسيين من الصنف صعب المراس. وما يصيبني بالصدمة هو وجود عدد من المرشحين الآخرين لهذا المنصب، ليس فقط لا يمتلكون معظم هذه الخصائص، وإنما لا يمتلكون أياً منها. وبالتالي، هذا ليس سباقا تتقارب فيه خصائص المتسابقين.
بالطبع، يمكن صياغة الوصف الوظيفي للمهمة بصورة مختلفة. وربما تريد أن يشغل المنصب صقر من صقور التضخم. لكن ما الذي يعنيه هذا؟ هل يعني مصرفيا مركزيا منحازا إلى تخفيض هدف التضخم؟ وألا يناقض ذلك تفويض البنك المركزي الأوروبي بتحقيق استقرار الأسعار الذي استطاع ترجمتة على نحو معقول إلى نطاق ضيق للتضخم المستهدف؟ وعلى أية حال، دراجي ملتزم بهذا الهدف بقدر التزام أي عضو آخر في المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي.
كل ذلك يترك أمامنا حجة متعصبة، مفادها أن دراجي إيطالي وأن ميركل لا تستطيع إقناع الشعب الألماني بوجود مصرفي مركزي إيطالي. لكن ألا يتناقض هذا القول مع رغبة ميركل وغيرها من الزملاء الأوروبيين، في إرسال إشارة قوية تدل على أنهم موحدون شمالاً وجنوباً وعلى مستوى دول المركز والأطراف كذلك؟ إن التعهد بالقيام ''بكل ما يتطلبه الأمر'' ما زال يرنُّ في أذني.
هذه الكلمات تفقد سحرها حين تضيف الخصائص. ''بكل ما يتطلبه الأمر''، طالما أن ذلك لا يتطلب أموالاً. ''بكل ما يتطلبه الأمر''، طالما أن تنسيق السياسات ليست له عواقب علينا وإنما على الآخرين. ''بكل ما يتطلبه الأمر''، طالما أن رئيس البنك المركزي الأوروبي ليس إيطالياً.
إن إضافة مضمون فعلي إلى ''بكل ما يتطلبه الأمر'' يستلزم عملاً شاقاً – فيما يتعلق بتفكيك البنوك، وتحسين وتوسيع تسهيلات الاستقرار المالي الأوروبي، وتنسيق السياسات، وكذلك الالتزام بمرشح جاد.
إن أفضل نتيجة متوقعة من جانب ميركل هي أن تسمِّي دراجي على أنه مرشحها لهذا المنصب. وعندها أبدأ بأخذ تعهد ''بكل ما يتطلبه الأمر'' على نحو جدي. أما أسوأ نتيجة فتتمثل في معركة طويلة ومريرة، يليها تعيين مرشح من الدرجة الثالثة. سيكون ذلك كارثة على منطقة اليورو.