بعض الرسومات الجدارية على أحد الجسور خارج مكاتب صحيفة ''الأهرام'' في القاهرة، تذكّر العاملين بالحرب الدعائية الفجة التي شنها مؤيدو الرئيس حسني مبارك قبل أن يتم إجباره على التنحي عن السلطة هذا الشهر.
فالرسالة الأصلية التي تقول ''يسقط مبارك'' تم إبدالها إلى ''مبارك، نحن معك''، في محاولة فاشلة لإقناع المصريين والعالم الذي يراقب ما يجري أن الزعيم ما زال يتمتع بدعم قوي.
والآن صحيفة ''الأهرام'' التي تسيطر عليها الدولة متهمة بمحاولة غير مقنعة بالقدر نفسه، لتغيير موقفها السياسي ومحو دعمها السابق للرئيس المخلوع، وأن تستبدل به احتضان المتظاهرين الذين كانت تعارضهم في السابق.
ويظهر تغير موقفها الإحراج الذي يشعر به كثير غيرها من المؤسسات التي تديرها الدولة، حيث يجد كبار المسؤولين التنفيذيين الذين كانوا يتمتعون بالنفوذ في السابق أنفسهم على الجانب الخاطئ من التاريخ، ويواجهون فقدان وظائفهم - أو ما هو أسوأ.
ويرى سلامة أحمد سلامة، رئيس هيئة التحرير في صحيفة ''الشروق'' المستقلة، أن ''الأهرام'' وغيرها من المطبوعات المملوكة للدولة لن يكون أمامها خيار سوى البدء ''باتباع الخط الجديد''. ويقول: ''عليها احترام الوضع كما هو - وإلا ستخسر الكثير''.
وكان التغير الكلي لموقف ''الأهرام'' استثنائيا بالنسبة لصحيفة كانت تعد من قبل كثيرين صوت نظام مبارك وتجسيدا لكثير جدا من المطبوعات التي تسيطر عليها الدولة، التي تعرَّف ببساطة أنها ''الصحافة القومية''.
وبعد أقل من أسبوعين على نشر عنوان رئيس بأن ملايين الأشخاص في الشوارع يدعمون مبارك، أصبحت تقدم للناشطين الشباب فرصة لتحرير ملحق خاص.
وخارج مكاتب ''الأهرام'' الرئيسة في القاهرة كان معظم الموظفين غير راغبين في الحديث إلى ''فاينانشيال تايمز''. واعترف أولئك الذين تحدثوا معها عن كثير من النقاش الداخلي بشأن مستقبل الصحيفة.
ويقول أحد الموظفين من الإدارة: ''هناك كثير من الأشخاص في الأهرام كانوا يؤيدون مبارك. الآن اختفى بعضهم وبعض آخر غيروا موقفهم''.
وتعرضت وسائل إعلام أخرى تديرها الدولة إلى ضغوط بعد سقوط مبارك. فمبنى التلفزيون الحكومي الذي يقع على نهر النيل يعاني إضرابات من قبل الصحافيين وانتقادات شديدة لتصويره مؤيدي مبارك لكونهم عوامل الاستقرار في أثناء الاحتجاجات.
ومثل غيرهم من المصريين السعداء بسقوط مبارك، يريد كثير من الصحافيين المستقلين عزل جميع الوزراء الذين عينهم، بمن فيهم أولئك المسؤولون عن الإشراف على وسائل الإعلام الرسمية. ويأملون في أن يشرع بدلاؤهم بحملة تطهير أوسع نطاقا لمؤيدي النظام القديم، لإخراجهم من مناصب التحرير العليا.
وكان تغير الحظوظ الثوري هذا جذريا بصورة خاصة بالنسبة للصحافيين المستقلين. فقد فرض نظام مبارك خلال الشهور الأخيرة قيوداً جديدة قبل الانتخابات البرلمانية الحاسمة في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي والانتخابات الرئاسية المقررة في وقت لاحق من هذا العام.
وفي تشرين الأول (أكتوبر)، بعد فترة من منح الصحافيين حريات إضافية محدودة، فرضت السلطات قواعد عدت أنها تحد من قدرة محطات البث المستقلة على توفير التغطية التلفزيونية الحية للانتخابات البرلمانية.
ووُصفت الانتخابات التي لم تنتج أي تمثيل معقول للمعارضة، على نطاق عالمي تقريبا، بأنها مزورة واعتبرت لاحقا عاملا مهما في تحفيز الاحتجاجات الجماهيرية الناجحة ضد حكم مبارك.
والآن، يأمل الصحافيون والناشرون في وسائل الإعلام المستقلة أن يؤدي تغيير السلطة إلى إتاحة الفرصة ليس فقط للتعبير السياسي، ولكن أيضا لحصة من ميزانيات الإعلان الكبيرة التي تحصل عليها وسائل الإعلام الحكومية.
ويقول هشام قاسم، وهو ناشر أنشأ شركة إخبارية مستقلة، إن المطبوعات الحكومية كانت تسيطر على نحو ثلاثة أرباع سوق الإعلان المطبوع سنويا، بقيمة تقارب مليار جنيه مصري (169 مليون دولار)، وكانت تحظى أيضا بإعفاءات ضريبية لا يتم منحها للمنافسين.
وهو يتوقع أنه مع اختفاء هذا الدخل وهذه الإعانات، ستواجه وسائل الإعلام الحكومية المكتظة بالموظفين عدة ضغوط مالية وكذلك ضغوط تحريرية. ويقول: ''يكلف التلفزيون الحكومي مبالغ طائلة. كيف يمكن أن تبقي مثل هذا الشيء مفتوحا؟''.
وهذا السؤال يواجه كثيرا من المؤسسات الحكومية في مصر، سواء في وسائل الإعلام أو غيرها، حيث تتعرض لمساءلة لم تكن مستعدة لها ـــــ مثل بقية الدولة.
وبالنسبة لصحيفة ''الأهرام'' يقدم عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس الإدارة، دفاعا جزئيا عن أداء الصحيفة قبل وفي أثناء الثورة، وينقل في الوقت نفسه شعورا بالتواضع ـــــ والقلق. ''لقد ارتكبنا أخطاء، لكننا مؤسسة كبيرة وقد حاولنا. والسؤال المهم الآن: ما هو النظام الجديد؟''.