لماذا قد يكون خفض الجنيه المصرى خطأ فادحاً أيضاً؟
خطوة "مارس" لم تجذب استثمارات أو تقضي على الفجوة بين الرسمي والموازي
خبير: المواطن لن يحتمل مزيد من "التضخم".. وسعر الصرف نتيجة وليس سبب
ألمح محافظ البنك المركزي طارق عامر في حواره إلى خفض جديد لقيمة العملة المحلية أمام الدولار، وقال عامر إن استهداف سعر العملة بغرض الحفاظ عليه كان «خطأ فادحًا»، وكلف الدولة مليارات الدولارات في السنوات الخمس الماضية.
وتابع: "مصر حصلت على قروض ومساعدات وودائع بنحو 22.5 مليار دولار منذ ثورة يناير أغلبها ضاع بسبب استهداف سعر الصرف".
وأضاف "كبنك مركزي كان إما أن نحافظ على استقرار الجنيه أو نشغل المصانع"، الحفاظ على سعر مرتفع الجنيه يعنى دعم كل المصريين "بما فيهم غير المستحقين"، سأتخذ القرار الصحيح وأتحمل نتائجه " والناس لازم تعرف أننا نمر بظروف صعبة".
وأعادت تصريحات المحافظ الجدل حول سعر العملة من جديد، بعد أن هدأت وتيرته منذ موجة الخفض الأخيرة التي تمت خلال مارس الماضي بنحو 13%، والتي أعقبها ضربة تضخمية موجعة بأسعار كافة السلع الأساسية، والكمالية أيضاً.
وقام البنك المركزي خلال 14 مارس الماضي بخفض قيمة الجنيه بواقع 112 قرشاً دفعة واحدة، ليستقر سعر الدولار رسمياً بالوقت الحالي عند 8.88 جنيه، بينما يتداول بالسوق السوداء في مستويات قريبة من 11 جنيه.
وترصد "المال" في التقرير التالي الأثر الذي خلّفه خفض مارس على مؤشرات اقتصادية هامة مثل التضخم والفائدة، فضلاً عن وضع القطاعات التي تدر نقد أجنبي كالسياحة والاستثمار في الوقت الحالي، وهل يشجع الأمر على إجراء موجة جديدة من الخفض أم أننا لن نجني سوى التضخم؟
قفزة هائلة في مستويات الأسعار
أدى تقليص قيمة العملة المحلية إلى قفزة هائلة في معدلات التضخم نظراً لكون مصر دولة مستوردة بالأساس، ومن ثم ارتفعت فاتورة المشتريات عقب تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.
ووصل التضخم الأساسي المُعد من قبل البنك المركزي خلال إبريل إلى 9.512% مقابل 8.415% خلال مارس، بينما زاد التضخم العام الذى يقوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من 9.015% إلى 10.274% خلال تلك الفترة.
وشهدت معدلات التضخم ارتفاعاً غير مسبوقاُ خلال مايو، ليسجل "العام" زيادة شهرية قدرها %3.05 مقابل ارتفاع نسبته %1.27 فى أبريل، ليصل إلى 12.3%، بينما زاد التضخم الأساسى بواقع 3.2% وصولاً إلى 12.232%.
ويؤكد اقتصاديون أن الأسعار ستواصل تضخمها مع قرب تطبيق إجراءات ستعزز ذلك التوجه، إذ تعتزم الحكومة تطبيق ضريبة القيمة المضافة خلال الأيام المقبلة، والتى ستؤدى لقفزة في معدلات الأسعار، كما ستواصل رفع دعم الطاقة جزئياً.
الفائدة تُلاحق التضخم
استخدم البنك المركزي أدواته للقيام بدور أساسي من أدواره وهو "محاربة التضخم"، وقام برفع الفائدة بنفس أسبوع خفض الجنيه بواقع 1.5% دُفعة واحدة، وذلك بهدف تعويض المصريين عن الزيادة التي حدثت في الأسعار عبر منحهم فائدة أعلى على مدخراتهم.
وعقب تفاقم معدلات التضخم في مايو، لجأ البنك المركزي منذ نحو 3 أسابيع لرفع ثان بالفائدة بنسبة 1%، ليصل سعري عائدي الإيداع والإقراض لليلة واحدة إلى 11.75% و 12.75% على التوالي، كما تم زيادة سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس لتصل إلى 12.25% و زيادة سعر الائتمان والخصم 100 نقطة أساس ليصل إلى 12.25%.
ويشكك اقتصاديون في جدوى رفع الفائدة لمواجهة التضخم الذي تواجهه مصر، ويقولون إنه تضخم ناتج عن تكلفة، وبالتالي فإن زيادة معدلات الفائدة تُعلي من قيمة تلك التكلفة على الشركات المنتجة والتي باتت تقترض من البنوك بفائدة أعلى، ما يؤدى في النهاية لمزيد من الزيادة بالأسعار.
كما أن لرفع الفائدة تداعيات على زيادة تكلفة الدين الحكومي – وتعد الحكومة أكبر مقترض من البنوك – وأشار عدد من الخبراء عقب الزيادة الأخيرة بالفائدة بواقع 1% أنها ستضيف نحو 25 – 30 مليار جنيه إلى كلفة الدين، وتلتهم أقساط وفوائد الديون نحو ثلث الموازنة العامة للدولة، وتؤدى لتفاقم عجز الموازنة الذي تحاول الحكومة السيطرة عليه بشتى الطرق.
تدفقات "ضئيلة" بالاستثمار الأجنبي المباشر
لا يغيب عن أذهان أحد أن "الاستثمار الأجنبي المباشر" هو أحد الأهداف الرئيسية الذي تضعها الدولة نصب أعينها عندما تقوم بتخفيض العملة، ويُحجم المستثمرون عن دخول الدول التي يعتقدون أن سعر عملتها مرتفع، أو أنه مرشح للانخفاض في أى وقت، لأنه إذا حدث وقلت قيمة العملة عقب دخولهم فسيؤثر ذلك الأمر على قيمة استثماراتهم.
ورغم خفض الجنيه بمارس إلا أن الاستثمارات الأجنبية لم تتدفق على مصر كما منى البعض نفسه، وارتفع صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنحو 700 مليون دولار فقط، ليبلغ 5.8 مليار دولار خلال التسع شهور الأولي من العام المالي 2015/2016، مقابل 5.1 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي وفقاً لبيانات البنك المركزي.
وقال البنك المركزي في تقرير صدر عنه أمس، إن أداء ميزان المدفوعات خلال الفترة من (يوليو 2015 – مارس 2016 ) ساهم في ارتفاع صافي الاستثمارات الواردة لتأسيس الشركات أو زيادة رؤوس أموالها ليصل إلى 3.7 مليار دولار ، مقابل 2.8 مليار دولار بدعم من تحقيق الاستثمارات في قطاع البترول صافي تدفق للداخل بلغ نحو 1.5 مليار دولار في زيادة الموارد.
كما حقق صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر تدفقا للداخل سجل 2.8 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى مارس 2016 ، في مقابل 1.7 مليار دولار و 2.5 مليار دولار خلال الفترة السابقة مباشرة والفترة المناظرة على التوالي .
وعلى الرغم من تفعيل الحكومة خلال مارس لآليات تحمي المستثمرين الأجانب من تقلبات العملة لتشجيعهم على الاستثمار غير المباشر في أدوات الدين مثل السندات وأذون الخزانة، إلا أن البنوك لم تُعلن عن أي طفرة في تلك الاستثمارات على مدار الفترة الماضية.
السياحة حدث ولا حرج
لا يغيب عن الأذهان أن قطاع السياحة يعاني بشدة منذ حادث الطائرة الروسية بشرم الشيخ، وسبق أن أعلنت وزارة السياحة أن إيرادات القطاع السياحي انخفضت بواقع مليار دولار خلال الربع الأول من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من 2015.
وفقد القطاع السياحي الذي يعد من أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر نحو 533،7 مليون دولار من إيراداته خلال أبريل الماضي، حيث وصلت إلى 160،8 مليون دولار مقارنة بـ693.5 مليون فى أبريل 2015، بنسبة انخفاض 76،8% .
وتضم أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر كل من السياحة، والاستثمار، والصادرات، وقناة السويس، وهى كلها متراجعة في الوقت الحالي بفعل ظروف بعضها داخلية، والأخرى متعلقة بتباطؤ الاقتصاد العالمي.
هل يحقق الخفض الوفرة؟
يثير البعض تساؤل مهم حول نجاح خفض العملة في زيادة المعروض من النقد الأجنبي وحل أزمة النقص التي تعاني منها كافة الشركات المستوردة، ويقول أحد الاقتصاديين لـ "المال" إنه لا يوجد خلاف حول أن العملة المحلية أعلى من قيمتها وفقاً لآليات العرض والطلب، وأنه يجب خفضها، لكن الوقت الحالي غير مناسب على الإطلاق، فالمواطن لن يتحمل المزيد، التضخم وصل لأعلى مستوى له في 7 سنوات.
وأضاف أن السماح بتقليص قيمة الجنيه لن يزيد المعروض، ولن يحل المشكلات الاقتصادية القائمة فالأزمة ليست في سعر الصرف، الدولار لم يختف لأن سعره غير عادل، وإنما لنقص الإيرادات الدولارية بالأساس لأسباب لها علاقة بمعاناة قطاعات مثل السياحة والاستثمار، وهو أمر يحتاج لتحفيز عبر خطط حكومية وإصلاحات واضحة.
وتابع: وبناء على ذلك إذا قمنا بخفض الجنيه ولم تتحسن على الجهة المقابلة الاستثمارات و السياحة وكافة مدخلات النقد الأجنبي، فلن نجنى سوى مزيد من التضخم في الأسعار، وستستمر وتيرة الارتفاع بالسوق السوداء ، قائلاً: "هنبقى كإننا بنجري وراء السوق السوداء كل ما هنعلي قيمة الدولار بنسبة هتزيد بنسبة مقابلة في تلك السوق".
وأكد: كانت خطوة خفض الجنيه خلال مارس غير صائبة أيضاً، تخيلنا في ذلك الوقت أن هناك احتياطي من النقد الأجنبي كاف لحماية العملة من المضاربين، أو أن هناك حزمة تمويل قادمة من النقد الدولي أو غيره، لكن لم يحدث ذلك، ومن ثم ذهب الجنيه بالسوق الرسمية إلى قرابة 9 جنيه وقفز بالموازية في المقابل لـ 11 جنيه، مقابل 7.73 إلى 9.5 جنيهات قبل التقليص.
وقال إنه إذا كان هناك اعتقاد أن المستثمرين الأجانب سيتدفقوا على السوق فور خفض العملة، فيجب أن يعلم القائمين على صنع القرار أن ذلك الأمر غير صحيح على الإطلاق.
وتابع: من واقع تعاملي المباشر مع كثير من المستثمرين غير المصريين فإن خفض الجنيه سيثير المزيد من الارتباك لديهم، وقد يدفعهم للانتظار أكثر، فهم بانتظار سياسات إصلاحية واضحة من قبل الحكومة وليس تحركات من جانب المركزي وحده، لابد من وجود خطة للإصلاح الاقتصادي، المركزي دوره إدارة ما لديه من نقد وليس توفيره، فهذه مهمة الحكومة.
وتساءل: لماذا نقوم بنفس الفعل وفى الظروف نفسها ونتوقع نتائج مختلفة؟
وأعلن البنك المركزي اليوم عن ارتفاع صافى الاحتياطيات الأجنبية بنحو 25 مليون دولار خلال يونيو لتسجل 17.546 مليار دولار، مقابل 17.521 مليار دولار نهاية مايو الماضي.