نص كلمة فخامة الرئيس حسني مبارك :-
"الإخوة المواطنون، أتحدث إليكم في ظرف دقيق يفرض علينا جميعا وقفة جادة وصادقة مع النفس، تتوخى سلامة القصد وصالح الوطن.
لقد تابعت أولا بأول التظاهرات وما نادت به ودعت إليه، كانت تعليماتي للحكومة تشدد على إتاحة الفرصة أمامها للتعبير عن آراء المواطنين ومطالبهم.
ثم تابعت محاولات البعض لاعتلاء موجة هذه التظاهرات والمتاجرة بشعاراتها وأسفت كل الأسف لما أسفرت عنه من ضحايا أبرياء من المتظاهرين وقوات الشرطة.
لقد التزمت الحكومة بهذه التعليمات، وكان ذلك واضحا في تعامل قوات الشرطة مع شبابنا، وقد بادرت إلى حمايتهم في بدايتها احتراما لحقهم في التظاهر السلمي طالما تم في إطار القانون، وقبل أن تتحول هذه التظاهرات لأعمال شغب تهدد النظام العام وتعيق الحياة اليومية للمواطنين.
إن خيطا رفيعا يفصل بين الحرية والفوضى، وإنني إذ أنحاز كل الانحياز لحرية المواطنين في إبداء آرائهم، أتمسك بذات القدر بالحفاظ على أمن مصر واستقرارها وعدم الانجراف بها وبشعبها لمنزلقات خطيرة تهدد النظام العام والسلام الاجتماعي، ولا يعلم أحد مداها وتداعياتها على حاضر الوطن ومستقبله.
إن مصر هي أكبر دولة في منطقتها سكانا ودورا وثقلا وتأثيرا، وهي دولة مؤسسات يحكمها الدستور والقانون، وعلينا أن نحاذر مما يحيط بنا من أمثلة عديدة انزلقت بالشعوب إلى الفوضى والانتكاس، فلا ديمقراطية حققت ولا استقرارا حفظت.
أيها الإخوة المواطنون، لقد جاءت هذه التظاهرات لتعبر عن تطلعات مشروعة لمزيد من الإسراع لمحاصرة البطالة، وتحسين مستوى المعيشة ومكافحة الفقر والتصدي بكل حسم للفساد.
إنني أعي هذه التطلعات المشروعة للشعب، وأعلم جيدا قدر همومه ومعاناته، لم انفصل عنها يوما وأعمل من أجلها كل يوم، لكن ما نواجهه من مشكلات وما نسعى إليه من أهداف لن يحققه اللجوء إلى العنف، ولن تصنعه الفوضى، وإنما يحققه ويصنعه الحوار الوطني والعمل المخلص والجاد.
إن شباب مصر هو أغلى ما لديها، وهي تتطلع إليهم كي يصنعوا مستقبلها، وتربأ بهم أن يندس بينهم من يسعى إلى نشر الفوضى، ونهب الممتلكات العامة والخاصة، وإشعال الحرائق وهدم ما بنيناه.
إن اقتناعي ثابت لا يتزعزع بمواصلة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من أجل مجتمع مصري حر وديمقراطي، يحتضن قيم العصر وينفتح على العالم.
لقد انحزت -وسوف أظل- للفقراء من أبناء الشعب على الدوام، مقتنعا بأن الاقتصاد أكبر وأخطر من أن يترك للاقتصاديين وحدهم، وحرصت على ضبط سياسات الحكومة للإصلاح الاقتصادي، كي لا تمضي بأسرع مما يحتمله أبناء الشعب أو ما يزيد من معاناتهم.
إن برنامجنا لمحاصرة البطالة وإتاحة المزيد من خدمات التعليم والصحة والإسكان وغيرها للشباب والمواطنين، تظل رهنا بالحفاظ على مصر مستقرة وآمنة، وطنا لشعب متحضر وعريق لا يضع مكتسباته وآماله للمستقبل في مهب الريح.
إن ما حدث خلال هذه التظاهرات يتجاوز ما حدث من نهب وفوضى وحرائق لمخطط أبعد من ذلك، لزعزعة الاستقرار والانقضاض على الشرعية.
إنني أهيب بشبابنا وبكل مصري ومصرية مراعاة صالح الوطن، وأن يتصدوا لحماية وطنهم ومكتسباتهم، فليس بإشعال الحرائق والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة تتحقق تطلعات مصر وأبنائها، وإنما تتحقق هذه التطلعات للمستقبل الأفضل بالوعي والحوار والاجتهاد من أجل الوطن والمزيد من الحرية للمواطنين, وبخطوات جديدة لمحاصرة البطالة ورفع مستوى المعيشة وتطوير الخدمات، وخطوات جديدة للوقوف إلى جانب الفقراء ومحدودي الدخل.
إن خياراتنا وأهدافنا هي التي ستحدد مصائرنا ومستقبلنا، وليس أمامنا من سبيل لتحقيقها سوى بالوعي والعمل والكفاح, لنحافظ على ما حققناه ونبنى عليه، ونرعى في عقولنا وضمائرنا مستقبل الوطن، إن أحداث اليوم والأيام القليلة الماضية ألقت في قلوب الأغلبية الكاسحة من أبناء الشعب الخوف على مصر ومستقبلها، والتحسب من الانجراف إلى مزيد من العنف والفوضى والتدمير والتخريب، وإنني -متحملا مسؤوليتي الأولى في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين- لن أسمح بذلك أبدا، لن أسمح لهذا الخوف بأن يستحوذ على مواطنينا، ولهذا التحسب بأن يلقي بظلاله على مصيرنا ومستقبلنا.
لقد طلبت من الحكومة التقدم باستقالتها اليوم، وسوف أكلف الحكومة الجديدة اعتبارا من الغد بتكليفات واضحة ومحددة، للتعامل الحاسم مع أولويات المرحلة الراهنة.
وأقول من جديد إنني لن أتهاون في اتخاذ أية قرارات تحفظ لكل مصري ومصرية أمنهم وأمانهم، وسوف أدافع عن أمن مصر واستقرارها وأماني شعبها، فتلك هي المسؤولية والأمانة التي أقسمت يمينا أمام الله والوطن بالمحافظة عليها.
حفظ الله مصر وشعبها وسدد على الطريق خطانا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".