لماذا ينبغي أن نرحب بفورة الإنفاق الصيني؟
لا يكاد يمر يوم واحد دون خبر عن غزوة أخرى من قبل الشركات الصينية في الخارج. وفي تعطشها للحصول على السلع والتكنولوجيا والعلامات التجارية - أو ببساطة للحصول على عائدات أفضل من تلك التي يمكن الحصول عليها عن طريق شراء سندات الخزانة الأمريكية - تستحوذ الشركات الصينية على الأصول في جميع أنحاء العالم.
هذا ما يبدو عليه الأمر على الأقل. وفي الواقع، هذه هي قصة الغد. فوفقا لتقرير صادر عن ''جمعية آسيا''*، فإن الصين على أعتاب اندفاع خارجي يمكن أن يجعلها تستثمر 1000-2000 مليار دولار في العقد المقبل. قارن هذا بالاستثمار الأجنبي الصيني المباشر، الأكثر تواضعا بكثير، البالغ حتى الآن 230 مليار دولار؛ ما يجعل الصين المالكة الفخورة لـ 1.2 في المائة من جميع أسهم الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية - على قدم المساواة مع الدنمرك.
وفي الولايات المتحدة، حيث تعتبر مسألة الاستثمارات الأجنبية الصينية المباشرة مثيرة للجدل بشكل خاص، فإن وجود الصين أصغر. والسبب في ذلك يعود إلى تركيز المجموعات الصينية في المرحلة الأولى من الاستثمار في الخارج على الحصول على السلع والموارد، حيث الفرص أكبر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. ويبلغ الاستثمار الصيني الرسمي في الولايات المتحدة 2.3 مليار دولار، أي 0.1 في المائة من جميع أسهم الاستثمار الأجنبي المباشر. وبسبب الأدوات الاستثمارية في الخارج وما شابهها، فإن هذا يبخس المجموع الحقيقي الذي تقدّره التقارير بـ 11.7 مليار دولار. لكن حتى هذا المبلغ يعتبر ضئيلا مقارنة بـ 454 مليار دولار استثمرتها الشركات البريطانية في الولايات المتحدة. وحين يتعلق الأمر بشراء أمريكا، فإن الصين في الفريق نفسه مع نيوزلندا والنمسا.
وهذا على وشك أن يتغير. فالمجموعات الصينية بدأت تغير محور تركيزها. فهي تسعى الآن إلى تحسين الإنتاجية والتصميم والتوزيع. والأهداف في الولايات المتحدة جذابة. وأولئك الذين شعروا بالخوف بسبب شراء لينوفو لوحدة الكمبيوتر المحمول، ثينكباد، التابعة لشركة IBM، أو بسبب عرض CNOOC الفاشل بقيمة 18.5 مليار دولار لشراء يونوكال، شركة النفط التي يوجد مقرها في كاليفورنيا، لم يرو شيئا بعد.
والسؤال الحقيقي بالنسبة للولايات المتحدة ودول متقدمة أخرى هو: هل يجب الترحيب بالاستثمارات الصينية؟ هل هي جزء من مؤامرة في بكين للاستيلاء على التكنولوجيا والمعرفة؟ أم هل توفر الشركات الصينية رأس المال والوظائف التي تشتد الحاجة إليها؟
الاستنتاج المنطقي لمؤلفي تقرير ''جمعية آسيا'' هو أن على الولايات المتحدة وضع استجابة أكثر عقلانية للاستثمار الأجنبي الصيني المباشر. وعليها أن تزيل السياسة من السياسات. تذكر الاستجابة الأولية المحمومة لشراء اليابان مركز روكفيلر وغيره من رموز الرأسمالية الأمريكية. وبعد انتهاء الجدل، استثمرت الشركات الأمريكية التابعة للشركات الصينية - مثل تويوتا ونيسان - 1000 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، وأوجدت 700 ألف وظيفة. (بالطبع جعلت ديترويت تجثو على ركبتيها جراء ذلك).
ولا شك أن الولايات المتحدة لديها مخاوف أمنية مبررة. لكن لديها إجراءات قوية للتعامل مع أولئك في لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، التي تدقق في الصفقات التي يمكن أن تعرِّض الأمن القومي للخطر. ويعتبر المؤلفان هذا النظام سليما بشكل عام. ويشيران إلى أن جميع الاستثمارات، سواء تم التدقيق فيها من قبل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة أم لا، تخضع لقوانين في مجالات تشمل الأمن ومكافحة الاحتكار والامتثال لمعايير البيئة.
وقد أحبط نظام لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بعض الشركات المرموقة. فقد فشلت هواوي، مجموعة معدات الاتصالات الصينية الناجحة، في محاولاتها لشراء أصول أمريكية بسبب علاقاتها المزعومة، والمثيرة لجدل محموم، مع جيش التحرير الصيني. وفي الآونة الأخيرة، وافقت هواوي على إلغاء صفقة بمبلغ مليوني دولار للاستحواذ على شركة 3 ليف، وهي شركة أمريكية ناشئة.
وينبه التقرير إلى أنه مع زيادة نطاق الطموحات الصينية، على لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة العمل بجد أكبر لإظهار أنها تخضع للإجراءات القانونية الواجبة والرقابة، وتقنع المستثمرين بأنه ''لا يتم استخدامها أداة للحمائية''. وتحث أيضا الشركات الصينية على تحسين إدارة الشركات وإبعاد نفسها عن الدولة.
ومع وجود، أو غياب لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، تعطي الولايات المتحدة أحيانا الانطباع بأن الأموال الصينية غير مرحب بها. فقد سحبت CNOOC عرضها لشراء يونوكال بعد ضجة في الكونجرس ووسائل الإعلام، على الرغم من أن أصول الشركة المستهدفة كانت خارج الولايات المتحدة. وأثارت آنشان إيرون آند ستيل المعارضة لاستثمارها المقترح في مصنع جديد للصلب في ميسيسيبي، في حين نجح استثمار تيانجين ستيل بقيمة مليار دولار في تكساس بسهولة. ويقول التقرير ''هذا التسييس الذي لا يمكن التنبؤ به لاعتبارات الأمن القومي'' يسبب مشاكل حقيقية.
وهذه الضغوط على وشك التزايد. ففي العامين الماضيين زادت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة بنسبة 130 في المائة سنويا. ويقلل التقرير من أهمية الفكرة القائلة إن الشركات الصينية هي واجهة لشركة تشاينا إنك، ويقول إن معظمها مدفوع بمصالح تجارية. وربما تبيع الشركات الصينية النفط الفنزويلي والإفريقي لدول أجنبية، وليس إلى الصين، إذا حصلت على سعر أفضل. وفي الشهر الماضي فقط، انسحبت شركة مينميتالز الصينية من عرض بقيمة 6.5 مليار دولار لشراء شركة إيكينوكس الكندية بعد أن تفوقت باريك جولد على سعرها. وهذا يشير إلى أن المال هو هدف الطموحات الصينية.
وسيختلف بعض مع هذه النقطة. فهؤلاء يعتبرون أن رأسمالية الدولة في الصين تصميم عظيم لإنشاء شركات وطنية عملاقة من خلال المنافسة المقيدة والتمويل السهل. لكن على أولئك الذين يؤمنون بالسوق الحرة أن يتأكدوا أنه، على المدى الطويل، سيكون أداء مثل هذه الشركات أسوأ من تلك المعرضة لمنافسة السوق. إلى جانب ذلك، إذا رفضت الولايات المتحدة الاستثمارات الصينية، فستذهب ببساطة إلى مكان آخر.